قاعدة معرفية موثوقة لفهم أعمق للعمل الإنساني

يُعدّ دليل إسفير أحد أهم المراجع العالمية المعتمدة في مجال العمل الإنساني، نظراً لدوره المحوري في وضع المعايير الدنيا التي تضمن تقديم استجابة إنسانية فعّالة تُحافظ على كرامة الأفراد وتلبي احتياجاتهم الأساسية خلال الأزمات. ويتميّز الدليل بشموليته واتساقه المنهجي، إذ يغطي أربعة قطاعات رئيسية تُعد الركائز الأساسية للتدخلات الإنسانية، وهي: المياه والإصحاح، والأمن الغذائي والتغذية، والمأوى، والصحة. ولكل قطاع، يقدّم الدليل مجموعة متكاملة من الأهداف، والمؤشرات الكمية والنوعية، والإرشادات العملية التي تُمكّن العاملين من تطبيقها في البيئات الميدانية المختلفة.
كما يستند دليل إسفير إلى إطار من المبادئ الإنسانية والقانونية المتعارف عليها دوليًا، بما في ذلك مبادئ الحياد، الإنسانية، عدم التحيّز، والاستقلالية، إضافة إلى مرجعيات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. ويولي الدليل أهمية كبيرة لتعزيز المساءلة في العمل الإنساني، سواء تجاه المجتمعات المتضررة أو تجاه المنظمات المانحة والجهات المؤسسية، كما يشجّع على إشراك المجتمعات المتأثرة في مراحل التقييم والتخطيط والتنفيذ لضمان استجابة أكثر فاعلية وملاءمة لاحتياجاتها. ومن خلال هذا النهج، يشكّل دليل إسفير أداة مهنية رئيسية تُسهم في تحسين جودة الخدمات الإنسانية ورفع مستوى التنسيق بين مختلف الفاعلين في المجال.

توفّر هذه الإرشادات إطارًا منهجيًا متكاملًا يهدف إلى تعزيز جاهزية الجهات الإنسانية وتمكينها من تنفيذ استجابات سريعة ومنسقة عند وقوع الأزمات. ويرتكز هذا الإطار على ثلاث مراحل مترابطة تشكّل منظومة متكاملة للاستعداد المسبق، تبدأ بتحليل منهجي للمخاطر يُعنى بتحديد التهديدات المحتملة وتقدير آثارها على المجتمعات، ثم الانتقال إلى تطبيق إجراءات الحد الأدنى للاستعداد التي تضمن توافر المتطلبات الأساسية للجهوزية التشغيلية، وصولًا إلى وضع خطط الاستعداد المتقدم التي تتضمن سيناريوهات تفصيلية وتدابير تكاملية مرتبطة بكل قطاع إنساني.
وتهدف هذه الإرشادات إلى ضمان تسريع وتيرة التدخل الإنساني خلال الأيام والأسابيع الأولى التي تلي وقوع الكارثة، نظرًا لأهميتها الحاسمة في الحد من الخسائر البشرية والمادية. كما تؤكد على ضرورة توضيح الأدوار والمسؤوليات بين مختلف الأطراف المعنية، وتطوير خطط تشغيلية عملية وقابلة للتنفيذ على مستوى كل قطاع، بما يسهم في تحسين فعالية التنسيق ورفع كفاءة الاستجابة الميدانية.

يمثّل المعيار الإنساني الأساسي للجودة والمساءلة (CHS) إطارًا مرجعيًا شاملاً يضع تسع التزامات رئيسية تهدف إلى توجيه الجهات الإنسانية نحو تقديم استجابات عالية الجودة، تتمحور حول المتضررين وتعتمد على مبادئ الشفافية والمساءلة والتعلم المستمر. ويُستخدم هذا المعيار كأداة مركزية لتقييم أداء المنظمات الإنسانية وتحسين تصميم البرامج وضمان اتساقها مع الاحتياجات الفعلية للمجتمعات المتأثرة، إضافة إلى تعزيز فعالية آليات التدخل والاستجابة.
يركّز المعيار على ضمان احترام الكرامة الإنسانية من خلال بناء علاقة أكثر قوة وثقة بين الفاعلين الإنسانيين والمجتمعات المتضررة، حيث يدعو إلى تفعيل المشاركة المجتمعية في جميع مراحل دورة المشروع، بدءًا من التقييم والتخطيط وصولًا إلى التنفيذ والمتابعة. كما يؤكد على أهمية الملاءمة في تقديم الخدمات، وضرورة الاستجابة في الوقت المناسب، وتوفير الدعم الذي ينسجم مع الأولويات الإنسانية الحقيقية على الأرض.
وإلى جانب ذلك، يجمع CHS بين البعدين التقني والأخلاقي للعمل الإنساني، موفّرًا إطارًا موحّدًا يمكن الاعتماد عليه في عمليات التقييم الداخلي والخارجي، وبناء القدرات المؤسسية، وتعزيز المساءلة أمام المتضررين والجهات المانحة على حد سواء. وبذلك، يسهم المعيار في رفع جودة الأداء الإنساني، ويُرسّخ ثقافة مهنية قائمة على الاحترام، والكفاءة، والمسؤولية المشتركة.

تُعد الإرشادات التشغيلية للتقييمات المنسّقة في سياقات الأزمات الإنسانية أداةً معيارية صادرة عن اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC)، وتهدف إلى إرساء إطار منهجي شامل يوجّه عمليات تنسيق التقييمات متعددة القطاعات خلال المراحل الأولى للاستجابة الإنسانية. وتُوظَّف هذه الإرشادات في تنفيذ التقييم السريع الأولي المعروف باسم MIRA، الذي يجمع بصورة منهجية بين تحليل البيانات الثانوية وعمليات جمع البيانات الميدانية، بهدف إنتاج تقرير موحّد يعكس صورة متكاملة عن الاحتياجات الإنسانية الملحّة.
يسهم هذا التقرير في تعزيز عملية التخطيط الاستراتيجي، ودعم تحديد الأولويات، وتوجيه الموارد المتاحة نحو استجابة متناسقة وأكثر فاعلية في حالات الطوارئ. كما ترتكز هذه الإرشادات على آليات تنسيق فعّالة بين مختلف القطاعات والمنظمات الإنسانية، بما يحدّ من الازدواجية في الجهود ويضمن شمولية التغطية. وتُعدّ هذه الإرشادات مرجعًا رئيسيًا لتطوير فهم مشترك ودقيق للأوضاع الإنسانية التي يواجهها المتضررون، بما يعزّز القدرة على تصميم استجابات مبنية على الأدلة وملبّية للاحتياجات الحقيقية.

تُعدّ إرشادات إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل الإنساني، التي صدرت عن اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) في عام 2019، أول إطار مرجعي إنساني يُطوَّر بالشراكة المباشرة مع منظمات تمثّل الأشخاص ذوي الإعاقة. ويعكس هذا التطوير التشاركي التزاماً دولياً متزايداً بترسيخ مبادئ الشمول وعدم التمييز داخل منظومة العمل الإنساني. وتهدف الإرشادات إلى ضمان دمج حقوق واحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة منهجية في مختلف مراحل التدخل الإنساني، بدءاً من التخطيط والتحليل ووصولاً إلى التنفيذ والمتابعة والتقييم.
وتقدّم الإرشادات مجموعة من الأدوات العملية والمقاربات التقنية التي تعزّز الوصول الآمن والعادل إلى الخدمات، وتدعم المشاركة الفاعلة للأشخاص ذوي الإعاقة في عمليات صنع القرار، كما تتيح تكييف البرامج الإنسانية وبُناها التشغيلية لتصبح أكثر استجابة لاحتياجات الجميع. وفي جوهرها، تسعى هذه الإرشادات إلى تعزيز قدرات الفاعلين الإنسانيين على تصميم وتنفيذ تدخلات شاملة تضمن العدالة، وتراعي التنوع، وتكفل احترام الكرامة الإنسانية دون أي شكل من أشكال الإقصاء أو التمييز.

تُعد إرشادات إدماج تدخلات العنف القائم على النوع الاجتماعي في العمل الإنساني، التي أصدرتها اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) عام 2015، إطارًا عمليًا شاملاً يوجّه الفاعلين الإنسانيين نحو الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستجابة له بصورة فعّالة عبر مختلف القطاعات. وتعكس هذه الإرشادات التزامًا مؤسسيًا بإدماج اعتبارات الحماية منذ المراحل الأولى لتطوير البرامج الإنسانية، من خلال تعزيز آليات تحليل المخاطر، وتصميم التدخلات التي تراعي احتياجات الفئات الأكثر عرضة للعنف.
وتوفّر الإرشادات أدوات منهجية للتنسيق والمتابعة والتقييم، بما يتيح تطوير استجابات متكاملة تعالج العوامل التي تزيد من هشاشة النساء والفتيات وغيرهم من الفئات المعرضة للخطر في سياقات الأزمات. كما تؤكد على أهمية المشاركة المجتمعية الفاعلة واعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان، يضمن المساءلة والشفافية، ويحافظ على سلامة وكرامة الأفراد المتضررين. وبذلك تسهم الإرشادات في تعزيز قدرة الأنظمة الإنسانية على توفير حماية شاملة تستند إلى مبادئ العدالة، والمساواة، وعدم التمييز.

تُشكل إرشادات الدعم النفسي الاجتماعي والصحة النفسية في حالات الطوارئ، الصادرة بشكل مشترك عن اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) عام 2007، مرجعًا دوليًا محوريًا يوجّه الاستجابات الإنسانية في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي. وتهدف هذه الإرشادات إلى تمكين الجهات الإنسانية من تصميم وتنفيذ تدخلات شاملة ومترابطة تستجيب للاحتياجات النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات المتضررة من الأزمات، مع ضمان مراعاة السياق المحلي وتعزيز آليات الحماية والرفاه.
وتتضمن الإرشادات مجموعة واسعة من الممارسات الطبية والمجتمعية، إضافةً إلى أدوات عملية تُسهِم في تحسين التنسيق بين الفاعلين، وتعزيز عمليات التقييم والمتابعة، وتطوير قنوات تواصل فعّالة مع المجتمعات المتأثرة. كما تقدّم مصفوفة شاملة للتدخلات موزّعة وفق مستويات الشدة، بما يساعد على تحديد الأولويات وتوجيه الموارد بطريقة فعّالة. وتؤكد الإرشادات على أهمية التكامل بين خدمات الدعم المجتمعي غير المتخصص وخدمات الصحة النفسية ذات الطابع التخصصي، بهدف تحقيق استجابة متوازنة تحترم كرامة المتضررين وتلبي احتياجاتهم بطريقة إنسانية وشاملة.

تُمثل إرشادات حماية النازحين داخليًا، التي اعتمدتها اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) في نوفمبر 2024، سياسة مُحدَّثة تشكّل مرجعًا استراتيجيًا لتعزيز حماية الأفراد الذين يضطرون إلى النزوح داخل حدود بلدانهم. وترتكز هذه الإرشادات على مبادئ الكرامة الإنسانية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما تُحدّد بصورة واضحة الأدوار والمسؤوليات المنوطة بالحكومات والجهات الإنسانية لضمان استجابة فعّالة وشاملة في مختلف مراحل النزوح.
وتسعى الإرشادات إلى توفير إطار توجيهي موحّد يمكّن الفاعلين الإنسانيين والمؤسسات الوطنية من تطوير قدراتهم المؤسسية والتقنية، وتعزيز آليات القيادة والتنسيق فيما بينهم، بما يضمن اتساق التدخلات وفعالية أنظمة الحماية. كما تُبرز أهمية اعتماد نهج قائم على الحقوق يضمن صون الحريات الأساسية للنازحين، وتلبية احتياجاتهم، ومعالجة عوامل الضعف والمخاطر التي قد يتعرضون لها، بما يسهم في تحقيق استجابة إنسانية أكثر عدلاً واستدامة.

يُعدّ معيار الشفافية والمساءلة في العمل الإنساني (HAP) أول إطار دولي مخصّص لترسيخ مبادئ المساءلة وتعزيز جودة الخدمات داخل منظومة العمل الإنساني. وقد أسهم هذا المعيار في إرساء أسس منهجية واضحة تمكّن المنظمات الإنسانية من تقديم استجابات أكثر احترافية وشفافية، وذلك من خلال ضمان المشاركة الفاعلة للمجتمعات المتأثرة، وتطوير آليات فعّالة لتلقي الشكاوى ومعالجتها، وتعزيز ممارسات المتابعة والتقييم والتحسين المستمر للأداء.
كما وضع المعيار تركيزًا خاصًا على صون الكرامة الإنسانية، وتوضيح الأدوار والمسؤوليات، وتنمية جودة العلاقات مع المستفيدين، بما يعزز الثقة المتبادلة ويضمن استجابات قائمة على الحقوق والاحترام المتبادل. وقد مثّل معيار HAP حجر الأساس الذي بُني عليه معيار الجودة والمساءلة الأساسي (CHS) لاحقًا، إذ جرى دمج أبرز عناصره وممارساته الرائدة داخل إطار موحّد يهدف إلى تعزيز الاتساق، والجودة، والمساءلة في العمل الإنساني المعاصر.

يُعدّ دليل تقييم العمل الإنساني الصادر عن شبكة ALNAP إطارًا مرجعيًا متكاملاً يُسهم في تعزيز قدرات الممارسين على إجراء تقييمات دقيقة وموثوقة لفعالية التدخلات الإنسانية، لا سيما في السياقات المعقدة والمتغيرة. ويتميّز هذا الدليل باعتماده مقاربة منهجية تجمع بين أساليب التقييم الكمية والنوعية، بما يضمن شمولية التحليل وعمقه. كما يستند إلى معايير لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD-DAC)، الأمر الذي يوفّر أساسًا صلبًا لضمان جودة التقييمات وملاءمتها وموثوقيتها.
ويقدّم الدليل مجموعة واسعة من الإرشادات العملية التي تغطي مختلف مراحل عملية التقييم؛ بدءًا من صياغة نطاق العمل وتحديد أسئلة التقييم، مرورًا بتصميم أدوات جمع البيانات وتنفيذها، وتحليل المعطيات وتفسيرها، وصولًا إلى إعداد التوصيات القابلة للتنفيذ واستخلاص الدروس المستفادة لتعزيز تحسين الأداء في المستقبل. ومن خلال منهجيته الشاملة وتركيزه على المساءلة والتعلّم، أصبح هذا الدليل أداة محورية تعتمد عليها المنظمات الإنسانية لتعزيز شفافية عملياتها ورفع كفاءة برامجها واستجابتها للاحتياجات الملحّة.